أحدث الناس بدعاً في الجنائز أضرت بالمجتمع وبالدين ومنها :
النعي :
لا بأس بمجرد الإعلام للغسل والتكفين والصلاة والحمل والدفن لأنه إعلام بما لا تتم هذه الأمور إلا به ،
وقد وقع الإجماع على فعله في زمن النبوة ، وما بعدها،
ولكن ما يفعله الناس جاوز هذا المقدار ودخل تحت عموم النهي الوارد.
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ إياكم والنعي ، فإن النعي عمل الجاهلية ] ( رواه الترمذي ) .
ومن ذلك المفاخرة بالإعلام في الصحف في أعمدة تتكلف المئات والآلاف
وكان الأولى التصدق بها على المحتاجين ، وعدم التصرف إن كان للميت قاصرون أو محتاجون .
والإعلام بمكبرات الأصوات بالسيارات التي تجوب القرى هنا وهناك
في مباهاة بالألقاب والتحدث عن شخصية من سينــزل إلى التراب ،
والإعلام بمكبرات الصوت بالمساجد والعباد يصلون ،
والإعلام بسعاة إلى البلاد وكل ذاك لا نفع منه لا للأحياء ولا للأموات .
السخط والنياحة :
يأمرنا الإسلام بالصبر والاحتساب والرضا بالقضاء ولكننا نرى النساء في صراخ ،
وعويل ، ونياحة ، ولطم ، والويل كل الويل لتلك النائحة التي تجلس بينهن ،
فتصف محاسن الميت ويرد عليها اللاتي أغضبن رب الأرض والسماء .
عن أبي مالك الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
[ أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن :
الفخر بالأحساب ، والطعن في الأنساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة ] ،
وقال : [ النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب ].
[ رواه أحمد ومسلم ].
تأخيرها وغلاء الأكفان :
أمرنا الإسلام بالإسراع بتجهيز الميت ، ولكننا نرى بدعة التأخير إلى أجل مسمى
حدده أقرباء الميت حتى يأتي من أنحاء البلاد الوجهاء والأغنياء وهذا فخر أماته الإسلام .
ومن ذلك غلاء الكفن.
ترك الإسراع والكف عن اللغو أثناء السير :
ومن البدع ترك الإسراع ، وعدم التفكر فيما هم صائرون إليه ،
بل تراهم في أمور الدنيا يتكلمون وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :
[ أسرعوا بالجنازة ، فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه، وإن تكن سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم ]
[ رواه الشيخان ].
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تبع جنازة أكثر الصمت ورؤى عليه الكآبة وأكثر حديث النفس.
وقال قتادة : بلغنا أن أبا الدرداء نظر إلى رجل يضحك في جنازة فقال له :
أما كان فيما رأيت من هول الموت ما يشغلك عن الضحك ؟!
وقال ثابت البناني : كنا نشهد الجنازة لا يرى إلا مقنعاً باكياً .
وقال الفضيل : كانوا إذا اجتمعوا في جنازة يعرف ذلك فيهم ثلاثة أيام .
هذا هو خوف هؤلاًء العابدين من الموت وما بعده
فلِمَ نبتعد عن اتّباعهم ونبتدع اللغو والحديث بما لا يفيد ؟
السرادقات :
من الغريب أن ينشغل أهل الميت بما يحفظ كرامتهم بعده
وذلك بإعداد السرادقات التي تستقبل المعزين ليلة أو ليلتين
فقد ثبت أنه لا جلوس عند أبي حنيفة وأصحابه ،
( وأباحها الإمام مالك لكن من غير فخر ولا رياء ولا إسراف ولا تبذير )
قال الإمام الشافعي : أكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء
فإن ذلك يجدد الحزن ويكلف المؤونة ،
قال تعالى :
( ولا تبذر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ، وكان الشيطان لربه كفوراً ) ،
( سورة الإسراء: 27).
القعود قبل أن توضع على الأرض :
من العجيب أن ينتشر المشيعون قبل أن تدفن الجثة، ويجلس كل واحد مع آخر للحديث ،
وللتدخين في هذا المستقر الذي إليه سيصيرون. فما هذا العبث ؟
فينبغي الاهتمام والاعتبار والموعظة التي تأخذها من هذه الدار ، دار القرار ،
وأن نترك الدنيا ومشاغلها والحديث فيها ونحن نشيع ،
وندفن الموتى الذين نودعهم إلى أن نلقاهم سائلين الله لهم الرحمة والغفران .
الإحداد لمدة عام :
من البدع التي نشاهدها حتى بين المثقفات بدعة ملابس الحداد لمدة عام من القريبات ،
وقد بينت أن الحداد لثلاثة أيام ، وما زاد فمنهي عنه ، والحداد للزوجة "أربعة أشهر وعشراً"
كما نص على ذلك الكتاب العزيز ولا يحل الزيادة على ما حدده الدين .
الأسابيع والأربعين والذكرى لكل عام :
بعض الناس يقوم بتجديد الأحزان ، حيث يقيمون ما يسمى بالأربعين فيستقبلون المعزين ،
وهذا ليس من الدين ، كما نرى البعض يقيم الذكري كل عام ،
وقد خيم على الأسرة مظهر الأحزان .
إن ذهاب ميت إلى الدار الآخرة لا يعني الكآبة في شؤون هذه الحياة ،
فالأمر : مات الميت فليحى الحي ، ولا مانع أن تكثر من معرفتك لربك ،
وتسليمك لحكمه ، ورجائك فيما عنده كلما تذكرت العزيز الذي ودعته
فلك الثواب على هذا الاسترجاع فكلنا ذاهب إلى هذا الباب .
ومن البدع المنتشرة ما يسمى بالأسابيع حيث تعد النساء الخبز لتوزيعه في القبر .
وذلك مما لا يرضاه الدين .
رفع المقابر يتباهى الناس في تلك الأيام برفع المقابر وتشييدها بالخرسانة
وتزيينها والكتابة عليها ، وإقامة الأبنية بجوارها للذاهبين في المناسبات للمبيت بطعام وشراب
قال ابن القيم : ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم:
تعلية القبور ولا بناؤها بآجرّ ولا بحجر ولبن ولا تشييدها ،
ولا تطيينها ولا بناء القباب عليها فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم .
لكننا الآن نجد الإنفاق بالآلاف على دار الأموات ،
بينما الأحياء من الفقراء يعانون الفاقة وصدق من قال
أحياؤنا لا يرزقون بدرهم
وبأَلْفِ ألْفٍ ترزق الأموات !
الطعام والزهور :
من البدع إعداد أهل الميت طعاماً للمعزين ، وربما ذبحوا تحت خشبة الميت ،
وكأن ذلك من الأفراح ومآتم السرور ، والمطلوب هو أن نعد لهم الطعام لا أن يُعدوا لغيرهم ،
لأنهم في شغل بمصيبتهم ومن البدع شراء الزهور ووضعها على قبر الميت
في المناسبات بيد زائر أو رئيس من الرؤساء أو ضيف قادم،
ويعدون ذلك تكريماً ، وهو غير ذلك وهذا ليس من الدين.
الجنازة العسكرية :
ليس في الإسلام ما يسمى بالجنازة العسكرية ، وغير العسكرية ،
وليس في الجنازة "مراسيم" وإنما الجميع يتساوى في هذا الوداع الأخير
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم)
فمن البدع حمل النعش على عربة مدفع يتقدمها جنود ،
وربما صاحبتهم الموسيقى الحزينة وكل ذلك لا يتفق ودعوة الإسلام إلى الصبر
واحتساب الأجر عند من لا يضيع عنده الأجر .
ومن البدع المرور بالجنازة على أماكن معينة مثل الأضرحة وغيرها ،
وما الفائدة التي تعود علينا وعلى الميت من ذلك ؟ إن الذي ينفعه هو عمله ،
والدعاء له عند الصلاة عليه ، وعند الدفن والصدقة الجارية .
ناهيك عن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور أعياداً
وأماكن يتجمع عندها الناس بسوء نيّة أو بحسن نيّة .
ومن البدع الحديث أمام الجنازة عن المتوفى وما كان يتصف به فنحن لا نزكي على الله أحدا ً.
المغالاة ، وعدم الالتزام في قراءة القرآن في المآتم المبتدعة :
القرآن كتاب الله نزل للهداية والإعجاز ، والتشريع والتلاوة والتدبر ، يهدي للتي هي أقوم ،
ونحن نشاهد عند القبور من يحفظون سورة أو أكثر من غير تجويد ثم يتوافدون
وهم لا يعرفون للقرآن حقاً ويتأكلون بقراءته ،
هؤلاء لا تصح قراءتهم ولم لا ندعو نحن أقرباء الميت الزائرين بما نحفظ .
والدعاء موجود في آيات من القرآن وفي أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن المؤلم ما يحدث في المآتم المبتدعة من التغني بالقرآن ممن يسيرون وراء الأهواء،
ولا يلتزمون الأحكام التي أنزلها رب الأرض والسماء ،
وفي الوقت نفسه لا نرى الإنصات بل تعلو الأصوات في الانشغال بالمعزين وقد توافدوا جماعات ،
والقارئ لا يكف عن القراءة لضيق المكان ، ويصر على أن يأخذ زمناً أطول من الآخرين
فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قال الماوردي في كتابه "الحاوي":
القراءة بالألحان الموضوعة إن أخرجت لفظ القرآن عن صيغته بإدخال حركات فيه أو إخراج حركات منه ،
أو قصر ممدود ، أو مد مقصور أو تمطيط يخفي به بعض اللفظ ويلتبس المعنى فهو حرام يفسق به القارئ ،
ويأثم به المستمع لأنه عدل عن نهجه القويم إلى الاعوجاج وإن لم يخرجه اللحن عن لفظه
وقراءته مع ترتيله كان مباحاً لأنه زاد على ألحانه في تحسينه" انتهى .
وهذا القسم من القراءة بالألحان المحرمة مصيبة ابتلي بها بعض الجهلة الذين يقرؤون على الجنائر
وبعض المحافل ، وهذه بدعة محرمة يأثم كل مستمع لها ،
ويأثم كل قادر على إزالتها أو على النهي عنها إذا لم يفعل ذلك .
ومن مساوئ بدع المآتم تلك المغالاة التي يصنعها المشهورون من القارئين حيث يشترطون الآلاف ،
والسرادقات ، ويحددون الساعات ،
ويفعلون ما لا يليق بحامل لكتاب الله من شموخ بأنوفهم ومباهاة بقراءتهم وما هكذا يرضى عنهم ربهم