السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال تعالى:{ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا, انه هو السميع البصير} الاسراء 1.
1. البداية
كان الرسول صلى الله عليه وسلم في بداية دعوته, فلم يمض وقت طويل على بدء دعوته المباركة حتى عزه ربه بمعجزات أثارت في كفار مكة الدهشة والعجب, وكان لها أثر واضح بين الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الذين لم يؤمنوا به. هذه المعجزة هي معجزة الاسراء والمعراج والذي كان البراق من أعاجيبها.
وقبل أن نتحدث عن البراق نسأل أنفسنا عن الاسراء والمعراج ما هو الاسراء؟ ما هو المعراج؟
الاسراء هو انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة الى بيت المقدس, ثم عودته الى مكة في الليلة نفسها. في حين أن هذه المسافة يقطعها الناس في شهر ذهابا وشهر في العودة.
أما المعراج وهو صعوده عليه الصلاة والسلام من بيت المقدس الى السموات العلا الى سدرة المنتهى حيث أوحى الله اليه ما أوحى, ثم هبوطه الى بيت المقدس في ليلة الاسراء نفسها.
كان لهذه المعجزة الكبرى معجزة الاسراء والمعراج حكايات عجيبة ومواقف طريفة سنسمعها واحدة تلو الأخرى: فبينما كان الرسول صلى الله عليه وسلم نائما بجوار الكعبة ذات ليلة أتاه جبريل بدابة بيضاء جميلة أكبر من الحمار وأقل من الحصان انها البراق العجيب.
وقد كانت البراق دابة يركبها الأنبياء قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ركوبها نفرت وهاجت. فصاح جبريل (مه يا براق! يحملك على هذا! فوالله ما ركبك قط أكرم على الله منه).
فاستحيا البراق وهدأت ثورته وسكن مكانه.
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق فكان سيره غاية في السرعة والانسياب فلا اضطراب ولا قلقلة في سيره, مما أشعر الرسول صلى الله عليه وسلم بالراحة والاطمئنان, فكّانه مستقر على فراش ساكن وسرير ناعم.
وقد ذكر أنه كان من سرعته ما يثير العجب حتى أنه يضع حافره في كل خطوة عند منتهى البصر, وكان دائما مستوي السير فلا يعلو ولا يهبط حتى اذا قابلته عقبة مرتفعة, قصرت رجلاه الأماميتان وطالت الخلفيتان.. واذا قابله واد منخفض طالت رجلاه الأماميتان وقصرت رجلتاه الخلفيتان..!!.. وهكذا توفرت للرحلة معجزات ما بعدها معجزات.
أما جبريل عليه السلام فكان يسير بجناحيه الى جانب البراق مؤنسا ورفيقا للرسول صلى الله عليه وسلم, كانت وجهتهما بيت المقدس حيث يوجد المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله.
2. مشهد في الطريق
وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأة جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي: يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول: أما سمعت شيئا في الطريق؟
فقال عليه السلام:" بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول: يا محمد انظرني أسألك! فلم أجبها, ولم أقم عليها..".
قال جبريل: تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس.
ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم اناءين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له:
اختر ما شئت, فاختار ؤسول الله اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول اللبن قال له جبريل: هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" الله أكبر الله أكبر".
وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن؛ ثم تحوّلت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس..
فلو أن الرسول قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع, وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله ودعوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب..
واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام: هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل.
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بيت المقدس, وصلى بالأنبياء اماما, وربط البراق بحلقة باب المسجد.
3. مشاهد المعراج
المشهد الأول
قدم لرسول الله صلى الله عليه وسلم معراج جميل والمعراج "سلم" لم تر الخلائق مثله, فصعد الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه جبريل فوق المعراج حتى بلغا السماء الأولى, وهي سماء الدنيا, وطلب جبريل من ملائكة هذه السماء أن يفتحوا له أبوابها, فناداه مناد: من أنت؟ فقال: أنا جبريل. قال المنادي: ومن معك؟ قال جبريل: معي محمد. قال: أوقد بعث محمد؟ قال جبريل: نعم.
وفتح له, فتحت لهما السماء والدنيا, ونظر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا رجل تام الخلقة عن يمينه أسودة (أرواح), وعن يساره أسودة. فاذا نظر الى التي عن يمينه تبسم, وقال: روح طيبة اجعلوها في عليين فيفتح باب ويخرج منه ريح طيبة, فتدخل فيه, واذا نظر الى التي على يساره حزن وقطّب جبينه وقال: روح خبيثة اجعلوها في سجيّن, فيفتح باب ويخرج منه ريح خبيثة, فتدخل فيه.
سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا الشخص التام الخلق وعن هذه الأسودة, وعن هذين البابين فقال جبريل عليه السلام:
أما الشخص التام الخلقة فهو أبوك آدم.
واما هذه الأسودة عن يمينه وعن يساره فهي أرواح بنيه؛ أهل يمينه هم أهل الجنة, وأهل شماله هم أهل النار, فاذا نظر الى أهل الجنة تبسم واذا نظر الى أهل النار حزن وابتأس.
وأما البابان فالباب الذي الى اليمين باب الجنة, والباب الذي الى اليسار باب جهنّم.
رحّب آدم بمحمد صلى الله عليه وسلم وقال: مرحبا بالابن الصالح والنبي الصالح.
فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم التحية بأحسن منها. ومضى الى مشهد آخر من مشاهد المعراج. التي تعدّ درسا من دروس الدعوة العظيمة وقدوة حميدة للناس أجمعين.
المشهد الثاني
نظر الرسول صلى الله عليه وسلم فرأى موائد كثيرة, عليها لحم مشرّح جيّد ولا يقربها أحد, وموائد أخرى عليها لحم نتن كريه الرائحة وحول هذا اللحم النتنة أناس يتنافسون على الأكل منها ويتركون اللحم المشرّح الجيّد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ومن هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل: هذا حال ناس من أمتك يتركون الحلال الطيّب فلا يطعمونه, ويأتون الحرام الخبيث فيأكلونه!!.
المشهد الثالث
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوجد ناسا شفاههم كمشافر الابل, فيأتي من يفتح أفواههم, فيلقي فيها قطعا من اللحم الخبيث, فيضجون منها الى الله لأنها تصير نارا في أمعائهم فلا يجيرهم أحد حتى تخرج من أسفلهم فقال عليه الصلاة والسلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء الذين يأكلون أموال اليتامى بالباطل ظلما, انما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا.
المشهد الرابع
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم طريقا ممتدا الى النار يمر فيه آل فرعون, فيعرضون على النار غدوّا وعشيّا, وأثناء مرورهم يجدون على الطريق أقواما بطونهم منتفخة مثل البيوت, كلما نهض أحدهم سقط يقول: اللهم أخر يوم القيامة, اللهم لا تقم الساعة فيطؤهم آل فرعون بأقدامهم, فقال عليه السلام:" من هؤلاء يا جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء هم الذين يتعاملون بالربا من أمتك.
{ولا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس}.
المشهد الخامس
مضى الرسول فرأى أقواما يقطع اللحم من جنوبهم ثم يقال لكل منهم:
كل من هذا اللحم كما كنت تأكل لحم أخيك ميتا.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" من هؤلاء يل جبريل"؟
قال جبريل: هؤلاء هم الذين يغتابون الناس من أمتك, كان كل منهم يأكل لحم أخيه ميتا