وعجلت إليك رب لترضى"
اخـــــــــــــاف بعد التـــــــــــــوبة
حب الطاعة والرغبة في الاستقامة هي أمنية كل مسلم , وما تلقى إنسانا وتحدثه عن فضائل الطاعات , وأهمية التوبة والإستقامة إلا قال لك ادع لي بالهداية , وربما فكر كثير في الإستقامة على شرع الله , ولكنه جعل أمامه عوائق وعقبات تحول بينه وبينها ولعلي هنا أفند بعضها حتى نصل أنا وأنت إلى ما يرضي عنا ربنا بإذن الله ونندفع إلى أعظم عبادة واجبة علينا وهي – التوبة – وتكون إزالة هذه الشبهات سببا لثباتنا عليها
">من أعظم الأمور التي تجعل المرء يخاف من الإقبال على التوبة "
الخوف من الرجوع إلى الذنب , والعودة إلى الخطيئة
وكم صد هذا الشعور من راغب بالتوبة ,بل ربما كان أعظم صاد عن التوبة خصوصاً وأن الكثير رأى صوراً لمن انحرف بعد استقامته , وضل بعد هدايته , فجاءه الخوف من أن يصبح مثلهم , فنقول لمثل هذا:
لو أن هذا الشعور استقر في نفس كل راغب بالهداية لما استقام أحد لأن الشيطان يدخل أول ما يدخل على الراغبين في التوبة من هذا الباب .
ولرد هذه الشبهة أقول : سر معي وكن منصفاً في هذا , كم تعرف أيها المبارك , وكم تعرفين أيتها المباركة ممن استقاموا ولم يرجعوا ولم يضلوا , وماتوا ولله الحمد على سبيل هذى .
ثم عليك إحسان الظن بالله , فالله رحيم رحمن يعين عبده إذا صدق , ويثبته إذا أتى الأسباب المعينة على الثبات وان تبت وعدت للذنب فجدده مرات ومرات فكونك تخطئ وتتوب خيرا لك من ان لاتخطر التوبة منك على بال , وكن على يقين بتوفيق الله لك إن كنت كذلك , وسيأتي اليوم الذي تحب الطاعة وتنفر من المعصية .
وهنا لطيفتان قلما يتفطن لها أحد :
أولها : أن تأخير التوبة خطيئة قلما استغفر منها أحد كما أشار إلى هذا ابن القيم رحمه الله
ثانيها : كم ستخسر بتأخير توبتك , كم سيسبقك غيرك للإزدياد من الطاعة من بر وأعمال صالحة وتزود من علم , وجهد في الدعوة , وغبر ذاك مما تتحسر عليه , ولكن أبشرك ان صدقت ستلحق بهم , وربما جاوزتهم
ومنها :الخوف من لمز الناس
فيقال لك :أأنت أكرم أم خير البشر –محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه – فلقد استهزئ بهم , ونالوا من الأذى ما نالوه ومع ذا لم يثنهم هذا الاستهزاء عن الثبات على دين الله , واعلم أن من يستهزئ بك اليوم سيكون من أعظم الناس لك تقديراً غدا , والواقع خير شاهد .
يقول أحد المهتدين : استهزئ بي أصحابي أول استقامتي وسخروا بي , بل تواعدوا فيما بينهم على ردي إلى الغواية , ولكني استعنت بالله وثبت , فكانوا بعد ذلك من أشد الناس احتراماً لي وتقديراً , فادفع عنك هذا التوهم واسلك سبيل الراشدين
ومنها : الخوف من ثقل الأوامر وعدم الصبر عن المعصية
وربما جاء هذا الشعور عند البعض إذا جاءته الرغبة في التوبة , والبعد عن المعصية .
فأقول لك : اتفق معك أخي على أن الطاعة تحتاج إلى صبر على أدائها , وأن المعصية تحتاج إلى صبر على البعد عنها , والمؤمن مثلك باليوم الآخر يعلم أن من آثر الراحة هنا ربما لحق التعب هناك في الآخرة , وأن من تعب هنا أدركته الراحة بإذن الله هناك , فأيهما تُؤثر ؟
ثم انظر إلى رحمة الله بهذه الشريعة السمحة في أوامرها التي بمقدور كل أحد الإتيان بها , وأما المعاصي فإنما الصبر عنها يصعب في أول الأمر ثم يستحيل بعد ذلك سهلاً ميسراً , وقد جعل الله لك مكان كل لذة محرمة مثلها من الحلال , وإن تأخرت عليك في الدنيا فسترى عوضها قريباً بإذن الله " والله مع الصابرين " ," والآخرة خير وأبقى"
ومنها :الخوف من تبعات الذنوب السابقة .
فكم من مسرف على نفسه بالذنب خارت قوته وضعفة عزيمته عن التوبة بسبب هذه الشبه , والظن أن ذنبه لا يُغفر , ولعمر الله إن هذا الشعور أعظم ذنبا من الذنب ذاته .
فأي ذنب يتعاظم على العظيم
وأي كبيرة لا يغفرها الغفور
وأي جرم يصعب على الجواد
إن الله غفور تواب , كريم ستير , يغفر الذنب , ويمحوا الخطيئة , متى ما تاب العبد بصدق , وأقبل عليه بإنابة
ومنها : مخافة سقوط المنزلة عند الناس , وذهاب الجاه والشهرة .
وربما كان هذا السبب أشد تعلقاً بعلية القوم ومن لهم جاه ومكانة وشهرة بين الناس , فيقال لمثل هذا إن ما عند الله خير وأعظم " ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيراً منه ", وكم من وجيه ومشهور ومشهورة تركوا كل هذا لله فأبدلهم الله في دنياهم ذكراً حسناً ونشاطاً مباركاً في الدعوة وخدمة الناس , والواقع خير شاهد ,
ثم إن هذه الشهرة عَرَض زائل سرعان ما يذهب أو يُذهب بصاحبها , فماذا تنفعه هذه الشهرة إذا قدم على الله صِفر اليدين خاوياً من الحسنات وصدق الله "وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ" (سـبأ:37)
ومنها : خشية ذهاب الأصدقاء والخلان .
فكم من صديق صده صديقه عن المسيرة في ركب الصالجين .
أعرف شاباً استقام فترة ثم عاد إلى زملائه فجئته ناصحاً بتركهم فقال لي : لا أستطيع تركهم ثم ضعف في استقامته بعد فترة .
فيقال لمثل هذا : أن نفسك أغلى ما تملك , وستموت وحدك , وتدخل قبرك وحدك , وتحاسب وحدك , وصديقك الذي لاينفعك لابد وأن يضرك , وتأمل في قول الله تعالى (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف:67) آلا تكفيك هذه الأية في الحذر من صديق السوء .
وكن على يقين أن لو كان أصدقائك محبين لك لأعانوك على ذلك .
أعرف شاباً استقام وكان له أصدقاء عندهم بعض التقصير فلقيت بعضهم فقال لي : والله فرحنا باستقامت فلان وشجعناه فحُمد فعلهم ,فأقول لك : يارعاك الله إن كانوا صادقين سيعونك حتى وان لم يستقيموا وابتعدت عنهم , وإن كانوا كاذبين في صداقتهم لك فأنت أكبر من أن تصاحب أُناس لايريدون لك الخير .
هذه بعض الشبه والعقبات التي تحول بين كثير من المقصرين وبين التوبة , اقرئها أيها الناصح لنفسك وتدبرها علها تعينك على إزالة كل صاد لك عن الهداية , وانصح نفسك فهي أغلى ما تملك والحق بركب الصالحين